السلطان عبد الحميد الثاني

السلطان عبد الحميد الثاني

السلطان عبد الحميد الثاني

كان السلطان عبد الحميد الثاني - الذي حكم الدولة العثمانية من عام 1876 إلى عام 1909 - كان شخصية تاريخية بارزة ومثيرة للجدل. يعتبر من أحد السلاطين العثمانيين الذين تركوا بصمة قوية في تاريخ الدولة العثمانية، سواء من حيث الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي قام بها، أو من خلال الأحداث التاريخية الهامة التي شهدتها فترة حكمه.

ولد عبد الحميد الثاني في 21 سبتمبر 1842، وتولى العرش بعد وفاة شقيقه مراد الخامس. كانت حقبة حكمه مليئة بالتحديات، حيث شهدت تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية داخل الدولة، بالإضافة إلى تزايد الضغوط الخارجية من القوى الأوروبية. قام عبد الحميد الثاني بإجراء العديد من الإصلاحات في محاولة لتحديث الدولة العثمانية وتعزيز قوتها، لكنها لم تكن كافية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية الكبيرة التي كانت تواجهها.

على الرغم من الإصلاحات التي قام بها، إلا أن حكم عبد الحميد الثاني انتهى بانقلاب عسكري في عام 1909، وتم تنحيه عن العرش وإبعاده إلى الريف النمساوي، حيث عاش حتى وفاته في عام 1918.

بالرغم من هذا، يظل الجدل حول حكمه مستمرًا حتى يومنا هذا، مما يجعله شخصية تاريخية محورية في دراسات الدولة العثمانية وتطورها. وفي ما يلي، سنتحدث عن واحد من أكثر الشخصيات التي أثيرت حولها الشبهات في التاريخ، ألا وهو السلطان عبد الحميد.

السلطان عبد الحميد الثاني

مولد السلطان عبد الحميد ونشأته

وُلد السلطان عبد الحميد في 21 سبتمبر 1842 في قصر دولما باهجة في إسطنبول، العاصمة العثمانية آنذاك. كانت والدته تحمل اللقب الشريف "راضية خانم"، ووالده السلطان عبد المجيد الأول.

نشأ السلطان عبد الحميد الثاني في بيئة ملكية فاخرة في القرن التاسع عشر في قصر دولما باهجة في إسطنبول، حيث تلقى تعليمه الأولي في القصر الملكي. كانت طفولته مليئة بالتحضيرات اللازمة لتولي العرش، وقد تلقى تدريبًا على الحكم والشؤون السياسية منذ سن مبكرة. تميز السلطان عبد الحميد بمجموعة من المؤهلات التي جعلته شخصية مهمة في تاريخ الإمبراطورية العثمانية. من أبرز هذه المؤهلات:

  • التعليم والثقافة: كان السلطان عبد الحميد مثقفًا وملمًا بالثقافة، حيث كان يهتم بالعلوم والأدب والفنون، وكان يتقن اللغات العديدة بما في ذلك التركية والعربية والفارسية.
  • الحنكة السياسية: كان السلطان عبد الحميد ذو حنكة سياسية، حيث كان يتمتع بقدرة على فهم التحديات السياسية والاجتماعية التي كانت تواجه الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت، وكان لديه قدرة على اتخاذ القرارات الصعبة عند الضرورة.
  • القيادة العسكرية: كان السلطان عبد الحميد ملمًا بالشؤون العسكرية، وقاد الدولة العثمانية خلال عدة حروب وصراعات، حيث اتخذ قرارات استراتيجية مهمة في مواجهة التحديات العسكرية.
  • الإصلاحات السياسية والاقتصادية: قام السلطان عبد الحميد بتنفيذ عدد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية في محاولة لتحديث الدولة العثمانية وتعزيز قوتها، ورغم عدم نجاح جميع هذه الإصلاحات، إلا أنها أثرت في تطوير بعض جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية في الدولة.

بهذه الصفات والمؤهلات، كان السلطان عبد الحميد الثاني شخصية مهمة في تاريخ الدولة العثمانية، وله دور بارز في تشكيل مسارها التاريخي.

تعليم السلطان عبد الحميد

تلقى السلطان عبد الحميد الثاني تعليمه في القصر الملكي في إسطنبول على يد نخبة من العلماء، حيث كانت تربيته محاطة بالعناية والتدريب الخاص. كانت تركيز التعليم في تلك الفترة على تأهيله لتولي مهام الحكم والقيادة، وذلك من خلال دروس في الشؤون السياسية والعسكرية والاجتماعية.

بالإضافة إلى التعليم الفني والعلمي، كان السلطان عبد الحميد ملمًا بالثقافة والأدب، وكان يتقن اللغات العديدة بما في ذلك التركية والعربية والفارسية، مما أثر في قدرته على التواصل مع شتى الشعوب والثقافات داخل الدولة العثمانية.

توليته للحكم

تولى السلطان عبد الحميد الثاني الحكم بعد وفاة شقيقه مراد الخامس في 31 آب 1876. كانت الفترة التي تلا توليه للعرش مليئة بالتحديات والضغوطات على الدولة العثمانية، حيث كانت تواجه تهديدات خارجية من القوى الأوروبية وتمردات داخلية من مختلف الشعوب التي كانت تحت سيطرتها.

بمجرد توليه الحكم، بدأ السلطان عبد الحميد في اتخاذ سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بغرض تحديث الدولة وتعزيز قوتها. ومن أبرز هذه الإصلاحات كانت إجراءات لتحسين البنية التحتية والتعليم والقضاء، إلى جانب إصلاحات في الجيش والإدارة العامة.

ولكن، بالرغم من جهوده الكبيرة في الإصلاحات، فإن حكم السلطان عبد الحميد شهد تزايدًا في الضغوط الداخلية والخارجية، وتصاعدًا في التمردات والصراعات.

وضع الدولة العثمانية قبل توليته

قبل تولي السلطان عبد الحميد الثاني للحكم، كانت الدولة العثمانية تواجه عدة تحديات داخلية وخارجية تهدد استقرارها وسلامتها. من الجوانب الرئيسية التي كانت تواجه الدولة العثمانية قبل توليته:

  • التدهور السياسي: كانت الدولة العثمانية تعاني من تدهور سياسي واقتصادي، حيث كانت تفتقر إلى القوة العسكرية والإدارية اللازمة للتصدي للتحديات الخارجية والداخلية.
  • التحديات الاقتصادية: كانت الدولة العثمانية تعاني من أزمات اقتصادية جسيمة، بسبب تراجع الإنتاجية وتدهور الحالة المالية، مما أدى إلى ارتفاع مستويات الديون والبطالة.
  • التحديات الاجتماعية: شهدت الدولة العثمانية تحديات ثقافية واجتماعية ناتجة عن التوترات بين الشعوب والأعراق المختلفة داخل الدولة، مما زاد من حدة الصراعات الداخلية.
  • التحديات الخارجية: كانت الدولة العثمانية تواجه تهديدات من الدول الأوروبية والقوى الإقليمية الأخرى، التي كانت تسعى لتقسيم الدولة العثمانية والسيطرة على أراضيها.

هذه التحديات والضغوطات كانت تشكل تحديًا كبيرًا للاستقرار الداخلي والسلامة الخارجية للدولة العثمانية قبل تولي السلطان عبد الحميد الثاني للحكم، وكانت تتطلب جهودًا مكثفة لإحلال الاستقرار والتنمية.

التحديات التي واجهت السلطان عبد الحميد بعد توليته الحكم

عندما تولى السلطان عبد الحميد الثاني العرش العثماني، وجد نفسه في مواجهة تحديات هائلة تهدد استقرار الدولة. كانت هذه التحديات تشمل تهديدات خارجية من القوى الأوروبية، وتمردات داخلية، وأزمات اقتصادية واجتماعية، حيث اشتدت الصراعات الداخلية والضغوط الخارجية، مما استدعى منه اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة هذه التحديات والحفاظ على وحدة الدولةوسلامتها. وسنتحدث عن هذه التحديات في ما يأتي.

ثورات البلقان

شكلت ثورات البلقان تحديًا كبيرًا للدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد. بدأت هذه الثورات في أواخر القرن التاسع عشر واستمرت حتى بداية القرن العشرين، وهدفت إلى استقلال الدول البلقانية التابعة للإمبراطورية العثمانية.

تشملت الثورات البلقانية سلسلة من التمردات والحروب التي أدت في النهاية إلى فقدان الدولة العثمانية لسيطرتها على معظم البلقان. بدأت الثورات في صربيا في عام 1804 ثم امتدت إلى البوسنة والهرسك واليونان وبلغاريا والجبل الأسود.

أطماع أوروبا في المنطقة العربية

خلال عهد السلطان عبد الحميد الثاني، شهدت الدولة العثمانية تصاعدًا في التوترات مع الدول الأوروبية، وخاصةً فيما يتعلق بأمور المنطقة العربية. كانت الدول الأوروبية، وخاصةً بريطانيا وفرنسا، تسعى إلى توسيع نفوذها في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ولم يكونوا قادرين على هذا إلا بإسقاط الدولة العثمانية، لذالك قاموا بإرسال مندوبين عنهم لتوحيد الأكراد ضد العثمانيين.

بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك محاولات مستمرة من قبل الدول الأوروبية للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية وللتأثير في توجهاتها السياسية والاقتصادية. كانت هذه التدخلات والأطماع الأوروبية في المنطقة العربية والشرق الأوسط تشكل عبئًا إضافيًا على حكم السلطان عبد الحميد، الذي كان بالفعل يواجه تحديات كبيرة داخليًا وخارجيًا في تلك الفترة.

الحرب العثمانية اليونانية

خلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني، شهدت الدولة العثمانية حروبًا عدة، من بينها الحرب العثمانية اليونانية التي وقعت في عام 1897. تأتي هذه الحرب في سياق التوترات القائمة بين الدولة العثمانية واليونان، حيث كانت اليونان تطمح في الاستقلال التام عن الدولة العثمانية وإنهاء الحكم العثماني في الجزر اليونانية وبعض المناطق الأخرى التي كانت تحت سيطرتها.

بدأت الحرب العثمانية اليونانية في 17 أبريل 1897، وانتهت في 20 مايو من نفس العام بفوز الدولة العثمانية. وقد تسببت هذه الحرب في خسائر كبيرة للجانبين، حيث تضررت البنية التحتية والاقتصاد في المناطق المتضررة بشكل كبير.

يعتبر الصراع العثماني اليوناني خلال فترة عبد الحميد الثاني جزءًا من سلسلة الصراعات التي شهدتها المنطقة في ذلك الوقت، والتي شكلت جزءًا من التحديات الكبيرة التي واجهت الدولة العثمانية في تلك الحقبة.

الحرب الروسية العثمانية

بدأت هذه الحرب في عام 1877 بعد أن رفضت روسيا تقديم تنازلات للدولة العثمانية بشأن القضايا الشرقية. تركزت الحرب بشكل أساسي على الصراع بين الدولتين على السيطرة على البلقان والمناطق الشرقية من الدولة العثمانية.

شهدت الحرب معارك عنيفة، وانتهت باتفاقية سلام سانت ستيفانو في عام 1878، التي فرضت شروطًا صارمة على الدولة العثمانية، بما في ذلك اعترافها بانهيار سلطانية البلقان واعتبارها مستقلة، ومنح روسيا مناطق واسعة من الدولة العثمانية.

لم تدم هذه الحالة طويلاً، حيث تدخلت الدول الأوروبية الكبرى، بما في ذلك بريطانيا والنمسا وألمانيا، لتعديل اتفاقية سانت ستيفانو من خلال مؤتمر برلين في نفس العام. أدى هذا المؤتمر إلى تخفيف بعض شروط اتفاقية سانت ستيفانو وتقسيم البلقان بشكل أكبر بين الدول الأوروبية.

تأثرت الدولة العثمانية بشكل كبير من جراء هذه الحرب، حيث فقدت مساحات واسعة من الأراضي وانخرطت في تحديات اقتصادية وسياسية أكبر. تعتبر الحرب الروسية العثمانية من الحروب الهامة التي شهدها عهد السلطان عبد الحميد الثاني، والتي أثرت بشكل كبير على مسار تطور الدولة العثمانية في ذلك الوقت.

ثورة البلغار في مقدونيا

ثورة بلغارية في مقدونيا، والمعروفة أيضًا بثورة مقدونيا، كانت حركة تحررية وطنية بلغارية في مقدونيا العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. كانت الثورة تهدف إلى تحقيق الاستقلال عن الحكم العثماني وإنشاء دولة مقدونية مستقلة.

بدأت الثورة في أواخر القرن التاسع عشر، وشهدت فترات نشاط مكثفة خلال السنوات الأولى من القرن العشرين. كانت الحركة مدعومة بشكل رئيسي من قبل البلغاريين الذين كانوا يشكلون الأغلبية في المنطقة، وكانت لها أيضًا دعم من بعض الجماعات الصربية واليونانية.

تصاعدت العنف والصراعات في المنطقة، حيث تورطت الدول الأوروبية وخاصةً بلغاريا وصربيا والدولة العثمانية في صراعات دامية في مقدونيا. انتهت الثورة في نهاية المطاف بتقسيم مقدونيا بين صربيا واليونان وبلغاريا، وفقًا لاتفاقيات سياسية بعد الحرب البلقانية الأولى عام 1912.

انفصال بلغاريا والبوسنة والهرسك

كان انفصال بلغاريا والبوسنة والهرسك عن الدولة العثمانية جزءًا من عمليات تفكيك الدولة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. كانت هذه العمليات نتيجة لتصاعد التوترات والصراعات الداخلية والخارجية التي واجهت الدولة العثمانية في تلك الفترة.

  • بلغاريا: انفصلت بلغاريا عن الدولة العثمانية بعد حرب الاستقلال البلغارية عام 1877-1878، التي انتهت بمعاهدة سانت ستيفانو واتفاقية برلين. تم تقسيم بلغاريا إلى بلغاريا الكبرى وبلغاريا الصغرى، مع اعتراف الدول الأوروبية بالاستقلال الشكلي لبلغاريا الكبرى.
  • البوسنة والهرسك: انفصلت البوسنة والهرسك عن الدولة العثمانية بعد اندلاع الأزمة البوسنية في عام 1908، حيث استغلت النمسا الوضع لضم البوسنة والهرسك إلى إمبراطوريتها. رفضت الدولة العثمانية الاعتراف بفقدان السيادة على البوسنة والهرسك، لكنها لم تكن قادرة على استعادتها بوسائل سلمية أو بالقوة.
انفصال بلغاريا والبوسنة والهرسك عن الدولة العثمانية كانت خطوة في محاولة تفكيك وإضعاف الدولة العثمانية وتأثيرها السلبي على القدرة العسكرية والاقتصادية للإمبراطورية، وساهم في تحديد حدود الدول البلقانية الحديثة والتأثير على توازن القوى في المنطقة.

محاولات اغتيال السلطان

كان السلطان عبد الحميد الثاني يواجه تحديات كبيرة خلال فترة حكمه، من بينها تداعيات الحركات الوطنية في الدولة العثمانية، والتي أدت إلى تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية.

تعرض السلطان عبد الحميد للعديد من محاولات الاغتيال، حيث كانت هذه المحاولات تأتي ضمن سياق الصراعات الداخلية والخارجية التي شهدتها الدولة العثمانية في تلك الفترة. من المعروف أن جماعة الاتحاد والترقي، التي كانت تنادي بالإصلاحات والتغييرات في النظام العثماني، كانت وراء العديد من هذه المحاولات، ومن بينها:

  • محاولة اغتيال عام 1905: قامت جماعة "الاتحاد والترقي" العثمانية بتنفيذ هجوم في إسطنبول بهدف اغتيال السلطان عبد الحميد وإعلان الثورة. تمكن السلطان من النجاة بفضل تدخل الحرس الإمبراطوري.
  • محاولة اغتيال عام 1906: قامت جماعة "الاتحاد والترقي" بتنفيذ هجوم آخر في إسطنبول، لكن السلطان نجا منه مرة أخرى.
  • محاولة اغتيال عام 1909: قامت جماعة "الاتحاد والترقي" بتنفيذ هجوم ثالث في إسطنبول، وهذه المرة تم اعتقال السلطان عبد الحميد وإعلان تنازله عن الحكم لابنه محمد الخامس، لكنه تمكن من استعادة السلطة بعد فترة قصيرة.

يعتبر تاريخ محاولات اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني مثيرًا للاهتمام، حيث تكشف عن التوترات والصراعات الداخلية في الدولة العثمانية في تلك الفترة، وعن التحديات التي واجهته في فترة حكمه.

جمعية الاتحاد والترقي

كانت جمعية الاتحاد والترقي جماعة سياسية تأسست في نهاية القرن التاسع عشر، وكان لها دور كبير في العديد من الأحداث التي وقعت في الدولة العثمانية، بما في ذلك العديد من محاولات اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني. كانت هذه الجمعية من أكبر التحديات التي واجهت السلطان عبد الحميد رحمه الله. من بين نشاطاتهم:
  1. التمردات الداخلية: كانت جمعية الاتحاد والترقي تدعم التمردات والحركات الوطنية داخل الدولة العثمانية، مما زاد من الضغوط على الحكومة العثمانية وعلى السلطان عبد الحميد الثاني.
  2. المطالبات بالإصلاحات السياسية: كانت جمعية الاتحاد والترقي تطالب بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية في الدولة العثمانية، مما جعل السلطان عبد الحميد يواجه ضغوطًا لتلبية هذه المطالبات أو مواجهة المزيد من التحركات والاحتجاجات.
  3. محاولات الاغتيال: كما ذكرنا سابقًا، قامت جماعة الاتحاد والترقي بعدة محاولات لاغتيال السلطان عبد الحميد الثاني، مما جعله في حالة من الحذر والقلق المستمر.
  4. التدخلات الخارجية: تلقى الاتحاد والترقي دعمًا من بعض القوى الأوروبية التي كانت تسعى لنشر نفوذها في الدولة العثمانية، مما جعل السلطان عبد الحميد يواجه ضغوطًا خارجية إضافية.

بشكل عام، كانت جماعة الاتحاد والترقي تمثل تحديًا كبيرًا للسلطان عبد الحميد الثاني وحكومته، حيث كانت جماعة موالية للدول الغربية التي تسعى إلى قلب نظام الحكم في الدولة العثمانية.

محاولات الماسونيين لإسقاطه

منذ تولي السلطان عبد الحميد الثاني للحكم، كانت هناك توترات بينه وبين جماعات الماسونية الذين حاولوا إسقاطه بكل الطرق الممكنة. كان السطان يعارض بشدة الحركات السرية مثل الماسونية ويحاول مكافحتها، حيث اعتبرها جزءًا من التدخلات الغربية التي تهدف لإضعاف الدولة العثمانية وتفكيكها. وفي ظل تزايد التوترات، خاض السلطان مواجهات مع بعض أعضاء الماسونية، مما أدى إلى تصاعد الصراع بينهما.

القضية الأرمنية

تاريخياً، هناك تفسيران متضاربان لأحداث مؤامرة الأرمن ضد السلطان عبد الحميد الثاني. من جانب واحد، تقول المصادر العثمانية والإسلامية الموالية للعثمانيين إن الأرمن تحركوا بعد معاهدة برلين لإحداث تغييرات في وضعهم في الولايات الست التي يسكنونها، وهي: أرضروم وديار بكر وخربوط وسيواس وبدليس ووان.

لم يتمكن العثمانيون من تحمل هذه التغييرات، فبدأ الأرمن بالهجوم والقتل في شرق الأناضول، منادين بالاستقلال وتشكيل دولة مستقلة لهم. قام العثمانيون بالرد على هذه الثورة والمجازر التي فعلوها بتشكيل الخيالة الحميدية المشكلة من الأكراد، إلى مناطق الثورة حيث دمروا العديد من القرى الأرمنية وقتلوا كثيرًا من الثوّار ومن ساندهم، وأصبحت هذه الحادثة تُعرف باسم "المجازر الحميدية".

السلطان عبد الحميد واليهود

في هذه الفترة، كان اليهود يتعرضون للاضطهاد في أوروبا وروسيا، وكانت هناك رغبة في القارة الأوروبية بالتخلص منهم. لذا، بدأت فكرة إنشاء وطن قومي لليهود تنتشر، وهذه الفكرة تبناها زعيم الحركة الصهيونية تيودور هرتزل. هرتزل حث اليهود على التفكير في فلسطين كوجهة محتملة لهذا الوطن القومي.

حاول هرتزل التوسط مع السلطان العثماني، الذي كان يعتبر الحليف الأوروبي الوحيد للدولة العثمانية، من خلال بعض الأشخاص المقربين منه مثل إمبراطور ألمانيا، ولكنه فشل في ذلك. كانت الجهود الصهيونية تهدف أيضًا لإقناع السلطان بالمال مقابل السماح لليهود بالاستقرار في فلسطين. على الرغم من رفض السلطان لهذه العروض السخية، حيث كانت الدولة العثمانية تعاني من مشاكل مالية واقتصادية، لم تتوقف محاولات اليهود. في 28 يونيو 1890، صدر أمر من السلطان بعدم قبول الصهاينة في الأراضي العثمانية وإعادتهم إلى بلادهم الأصلية. بعد فشل جميع المحاولات الصهيونية لشراء فلسطين من الدولة العثمانية، قرر اليهود دعم جماعات الأرمن ماليًا لمحاولة التخلص من السلطان، حيث خططوا لعمليات اغتيال داخل وخارج الدولة العثمانية، ولكن هذه المحاولات أيضًا باءت بالفشل.

في عام 1897، قررت الحركة الصهيونية بقيادة ثيودور هيرتزل الكشف عن نواياها من خلال إعلان تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك خلال مؤتمر بازل الأول في سويسرا. ولكن رد فعل السلطان العثماني عبد الحميد الثاني كان قاسيًا، حيث قام بتشديد الرقابة والقيود على اليهود في الدولة العثمانية.

أبدى السلطان عبد الحميد رفضه القاطع لفكرة تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. وفي إشارة إلى العرض الذي قدمه الصهاينة بتقديم 150 مليون ليرة إنجليزية ذهبًا، أكد السلطان رفضه القاطع لهذا العرض، مشيرًا إلى أنه لو دفعوا ملء الدنيا ذهبًا لن يقبل بهذا التكليف.

وأضاف السلطان في رسالته "لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد على 30 سنة، فلم أسوّد صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين، لهذا لن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي أيضًا". وفي نهاية رسالته، أبلغ السلطان بأنه قد تم اتخاذ قرار بخلعه ونقله إلى سالونيك.

بهذا الرفض القاطع، أظهر السلطان عبد الحميد تمسكه بوحدة الدولة العثمانية ورفضه لأي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية، وهو ما جعله يواجه تصعيدًا من الصهاينة والقوى الأوروبية المنادية بدعم فكرة التأسيس الصهيوني.

أبرز انجازات السلطان عبد الحميد

كان السلطان عبد الحميد من بين السلاطين البارزين الذين تركوا بصمة قوية في تاريخ الدولة العثمانية. كانت حكومته مليئة بالتحديات والصعوبات، لكنه تمكن من تحقيق عدد من الإنجازات المهمة. إليكم بعض أبرز هذه الإنجازات:

  • إصلاحات الإدارة والجيش: قام السلطان عبد الحميد بإجراء العديد من الإصلاحات في الإدارة والجيش بهدف تحسين أداء الحكومة وتعزيز الجيش العثماني. من بين هذه الإصلاحات كانت إنشاء وزارات حديثة، وتحسين نظام الضرائب، وتطوير البنية التحتية للنقل والاتصالات.
  • تعزيز العلاقات الخارجية: نجح السلطان عبد الحميد في تعزيز العلاقات الخارجية للدولة العثمانية، وخاصة علاقاتها مع الدول الأوروبية الكبرى. كما نجح في الحفاظ على استقلال الدولة العثمانية وتفادي التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.
  • تحسين البنية التحتية: قام السلطان عبد الحميد بتحسين البنية التحتية للدولة العثمانية، من خلال بناء الطرق والسكك الحديدية، وتوسيع نطاق الخدمات العامة مثل التعليم والصحة.
  • الدفاع عن حقوق المسلمين: كان السلطان عبد الحميد من أشد المدافعين عن حقوق المسلمين في العالم، وقد قام باتخاذ العديد من الإجراءات لحمايتهم وتعزيز مكانتهم في الدولة العثمانية.
  • التركيز على العلوم والثقافة: كان السلطان عبد الحميد من مشجعي العلوم والثقافة، وقد قام بتأسيس العديد من المدارس والجامعات والمكتبات في مختلف أنحاء الدولة العثمانية.
  • تعزيز الاقتصاد: نجح السلطان عبد الحميد في تعزيز الاقتصاد العثماني من خلال دعم الصناعة المحلية وتحسين البنية التحتية الاقتصادية للدولة.
  • الجامعة الاسلامية: كان يرغب السلطان عبد الحميد في توحيد الأمة الاسلامية، لذالك ظهرت فكرة انشاء الجامعة الإسلامية، وقام بالاستعانة بالعلماء والدعاة من أجل توحيد المسلمين، ونشر العلوم الإسلامية في العالم كله.
  • سكة الحجاز: كانت سكة حديد الحجاز تمتد من اسطنبول مرورًا بدمشق، وحتى مكة المكرمة، وكانت تعتبر جزءًا من خطة السطان عبد الحميد لتوحيد الأمة. تم افتتاح السكة في عام 1908م، وكانت تهدف إلى تسهيل حركة الحجاج والمسافرين إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة.

بهذه الإنجازات، يظل السلطان عبد الحميد الثاني شخصية مهمة في تاريخ الدولة العثمانية، حيث ترك بصمته في مجالات عدة وساهم في تحسين أوضاع الدولة في فترة حكمه.

الإصلاحات في عهده

خلال عهد السلطان عبد الحميد الثاني، شهدت الدولة العثمانية مجموعة من الإصلاحات والتغييرات التي كانت تهدف إلى تحديث النظام الإداري والاقتصادي والاجتماعي. من بين أبرز هذه الإصلاحات:

  1. إصلاحات النظام الإداري: قام السلطان بإجراء تغييرات على النظام الإداري لتحسين الحكم المحلي وتقوية الوحدة الوطنية. تم إنشاء مجالس استشارية محلية وتطوير نظام الحكم المحلي.
  2. إصلاحات في القضاء: قام بإصلاحات في القضاء لضمان توزيع العدالة بشكل أفضل وتقديم الحماية للمواطنين.
  3. الإصلاحات الاقتصادية: قام بتحسين النظام المالي والاقتصادي للدولة، من خلال إجراءات مثل تحسين نظام الضرائب وتنظيم الصناعة.
  4. إصلاحات التعليم: قام بتحسين نظام التعليم وتعزيز التعليم الحديث والعلمي في الدولة.
  5. الإصلاحات العسكرية: قام بتحديث الجيش العثماني وتحسين تدريبه وتجهيزه.
  6. الإصلاحات الاجتماعية: اتخذ إجراءات لتحسين أوضاع الفقراء والمحتاجين وتوفير الخدمات الأساسية للمجتمع.

تعتبر هذه الإصلاحات محاولة من السلطان عبد الحميد لتحديث الإمبراطورية وتعزيز قدرتها على المنافسة في العالم الحديث، ولكنها لم تكن كافية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي واجهتها الدولة العثمانية في ذلك الوقت.

أحداث 31 مارس

في أكتوبر/تشرين الأول 1908، أعلنت النمسا سيطرتها على البوسنة والهرسك، وفي نفس الوقت أعلنت بلغاريا استقلالها، وانضم الجزء الباقي من اليونان إلى الثورة. كانت تلك الفترة مضطربة في القصر بسبب الاتحاديين وجمعية تركيا الفتاة.

شهدت العاصمة العثمانية تظاهرات من قبل بعض الضباط وشباب بعض المنظمات السياسية، تطورت في بداية عام 1909 إلى عصيان شامل شهد أعمال عنف دموية بسبب دخول قسم من الجيش المنشق واقتحامه لإسطنبول.

في 31 مارس/آذار 1909، قام طلاب المدارس وبعض الوحدات العسكرية بثورة تحت اسم لواء "الاتحاد المحمدي" للمطالبة بعودة أحكام الشريعة، ولكن تم قمعها من قبل جيش حركة الاتحاد والترقي القادم من سالونيك. دخل جيش الحركة إلى إسطنبول في 25 أبريل/نيسان وسيطر عليها. رفض السلطان آنذاك مقترح التصدي للجيش المنشق القادم من سالونيك، وقال أنه لن يسمح بالإيقاع بين المسلمين.

دعا محمود شوكت باشا مجلسي النواب والأعيان لمجلس مشترك سُمي بالمجلس الوطني المشترك، واستصدروا فتوى بخلع السلطان متعللين بدعمه الثورة التي خرجت مطالبة بإعادة الأحكام الشرعية، وأعلن البرلمان بقيادة سعيد باشا في 27 أبريل/نيسان 1909 إنهاء حكم عبد الحميد الثاني.

عزل السلطان عبد الحميد

تم عزل السلطان عبد الحميد بعد أحداث 31 مارس من عام 1909 بعد تم تهديده بقتل شعبه، وتم تنصيب أخيه الأصغر "محمد الخامس" سلطانًا للدولة العثمانية. وبعدها تم نفي السلطان عبد الحميد إلى مدينة "سالونيك" وتم نقله إلى اسطنبول بعدها بثلاث سنوات بسبب اندلاع حرب البلقان الأولى.

حكم السلطان عبد الحميد

كان يرى السلطان أن الحكم لا يقوم بالقوة وإنما يقوم بالعدل، وكان يقول أن العدل هو أساس المشروعية، وأن المشروعية هي المسند الحقيقي للحاكمية، في حين تُعتبر القوة مجرد داعم للمشروعية. وبما أنَّ الحاكمية تعتمد بشكل أساسي على العدل، فإن أيَّ حاكم يتولى المسؤولية دون احترام للعدل ويستخدم القوة دون مشروعية، فإنَّه لا بد له من السقوط.

وفيما يتعلق بإدارة الحكم، يرى السلطان أنَّ الحاكم لا يجب أن يعارض رغبات الأمة، حتى لو كانت مخطئة. بالنسبة له، إذا كانت الأمة تريد شيئًا معيَّنًا، فإنَّ الوقوف ضدها لن يؤدي إلى شيء إلا إلى إحداث المزيد من الأذى. وقد أكد أنه لم يكن يمكنه الوقوف في وجه رغبة الأمة في حكم نفسها، لذا قرر أن يسمح لها بالحصول على ما تريد.

وفاة السلطان عبد الحميد

بعد نفي السلطان عبد الحميد إلى مدينة سالونيك، احتُجز هناك تحت الحراسة المشددة وفي ظروف صعبة. كانت لديه أموال مودعة في المصارف الألمانية، وطالب الاتحاديون بتسليمها، لكنه شرط عليهم بعض الشروط، منها عودة ابنه عبد الرحيم إلى إسطنبول، وزواج بناته، ومنح الحرية لبعض العمال، وتخصيص مبلغ من المال له ولشراء قصر اللاتيني وغيرها.

بقي عبد الحميد في سالونيك منذ عام 1908 حتى اندلاع حرب البلقان الأولى عام 1912، حيث تم نقله إلى إسطنبول. في 1 نوفمبر 1912 وصل إلى إسطنبول واستقر في قصر بكلربكي. تدهورت صحته وبدأ يشكو من الإرهاق ومشاكل في الجهاز الهضمي.

قبل وفاته في أوائل فبراير 1918، شعر عبد الحميد بألم في جسمه بعد تناول الطعام، وعندما فحصه الأطباء، أكدوا أنه مصاب بمرض سل خطير. في اليوم التالي، أصر على الاستحمام على الرغم من تحذيرات الطبيب، وخرج من الحمام يتصبب عرقًا، وبعد ذلك توفي في 10 فبراير 1918 ودُفن في إسطنبول.

وماذا بعد عبد الحميد

 لقد كانت شخصية السلطان عبد الحميد الثاني ومن حوله من المعينين له سدًّا منيعًا أمام الأعداء الذين أيقنوا أنه لا تمكين لهم من دولة الخلافة إلا بإزالته، فلما أسقطوه عاثوا في الأرض فسادًا، وتقسّم العالم الإسلامي إلى دول صغيرة سيطر عليها المحتلون بسهولة ويسر، وما زال العالم الإسلامي يعاني حتى اليوم من ذلك السقوط، وذاك الإنقسام.

وفي الختام، كان السلطان عبد الحميد الثاني شخصية تاريخية محورية في تاريخ الدولة العثمانية، حكم بقوة وشجاعة لكنه واجه تحديات كبيرة خلال فترة حكمه. ترك إرثاً معقداً ومثيراً للجدل، ولا يزال تأثيره يظهر في العديد من الأحداث التاريخية الهامة.

Ammar Al Masry
بواسطة : Ammar Al Masry
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-